رئيس التحرير

مستقبل أسواق العمل .. وتداعيات كورونا

محمد محمود عثمان

اسواق العمل لها معاناتها الخاصة  مع التفكير في العودة للتعافي الاقتصادي للخروج السريع من مستنقع وباء كورونا ، خاصة في الدول التي تعاني من قلة الموارد وانخفاض عائدات النفط ،ومن الشحّ في القوة العاملة المنتجة ، والتي لم تولي اهتماما واضحا بمستقبل  أسواق العمل بعد تسريح أعداد كبيرة من العاملين المدربين لديها مع بداية الأزمة لمواجهة نفقات الأجور والمرتبات ، بنظرة لم تتخطى مواقع الأقدام ولم تنظر أبعد منها ،و بدون التفكير في المستقبل فخسرت قوتها العاملة صاحبة الخبرات والقدرات من كل الجنسيات ، من غير إدراك لمدى تأثر الأسواق  من تداعيات كرورنا الممتدة ،التي تثير عدة تحدّيات يتطلب التفكيرفيها بعقلية اقتصادية  بحتة تلغي – مؤقتا – كل العواطف أو السياسات والشعارات التي تبنتها بعض الدول قبل الأزمة  للبحث عن حلول  سريعة لمشكلة طوابير الباحثين عن العمل بفرض الالتزام   بتوظيف القوى العاملة الوطنية باعتبار ذلك واجبا قوميا لا مناص منه ، ولقد حذرنا كثيرا من مغبة هذه الإجراءات ، إن لم تكن  ممنهجة ومتدرجة وقائمة على أسس ودراسات علمية  لا تخل بالإنتاج أو الإنتاجية ،وحتى لا يتضرر الاقتصاد على المدى البعيد ، لأن الشعارالأهم يكون دائما لتحقيق الصالح العام ،وتوفير  قاعدة بيانات شاملة  ومتجددة للتعرف على  المهن والمهارات المطلوبة لكل مرحلة ، والتعرف على احتياجات السوق ، سواء في القطاعات الحكومية أم في القطاع الخاص ، وقد فطنت بعض الشركات  الأوروبة  لذلك منذ بداية الأزمة واحتفظت  بعمالها ، وفضلت أن تضحي بالأموال  لتحتفظ بالعمال ، حتى تبدأ بهم الخطوات الأولى للتعافي الاقتصادي ، ورفع شعار العمل  والعمل ثم العمل ، ومسابقة الزمن في ذلك ،حتى يمكن أن تعوض بعض من خسائرها  في أسرع وقت ،وتعود إلى مستويات الإنتاج السابقة على انتشارالوباء ، حتى مع وجود مستجدات ومتغيرات جديدة فرضت نفسها على أسواق العمل ، وانتشار منصات العمل الالكترونية واستخدام التقنيات الحديثة، وهذا  يتطلب التدخل من قبل المشرّعين وصانعي سياسات سوق العمل وأصحاب العمل بمشاركة  المنظمات النقابية العمالية والحقوقية  وغرف التجارة والصناعة ، لتنظيم علاقات العمل بموضوعية ، وتوضيح مسؤوليات والتزامات طرفي علاقة العمل، حتى يشعرالعامل بالمشاركة في صنع القرار، مع التأكيد على تلبيية  احتياجات العامل المادية ، التي تحقق له السلامة النفسية ، والأمن الاجتماعي في محيط العمل، لأن ذلك يوفر بيئة العمل المناسبة ،بما يساعدعلى التحسين المستمرفي الإنتاجية وأداء العمل وجودته ،  والتركيز على تعظيم  المميزات النسبية التي يتفوق بها سوق عن آخر في مجال القوى العاملة باعتبارها من عوامل الجذب القوية التي يسعى إليها المستثمر المحلي أو الأجنبي ،  في ظل  التحديات التي ستواجه  اسواق العمل وهى تسعى للتعافي  والتي تتمثل في النقص الحاد في المهارات والخبرات التى تحتاجها الوظائف المتاحة – على الرغم من ندرتها النسبية – أو الوظائف المستقبلية ، التي صنعتها   المتغيرات والتطورات الاقتصادية  التي تحكم آليات العرض والطلب على الوظائف الذي يتقلص أو يضعف الطلب عليها بشكل كبير ، ولاسيما أن الأمر لن يقتصر على تسريح العمال وتقليل حجم العمالة فقط ،بل سيؤثر بزيادة  نسب البطالة  المرتفعة في بعض الدول ، لأن أسواق العمل غير قادرة على توليد وظائف جديدة نتجية للركود المتحقّق من الأزمة،  حيث لن يقتصر الأمر على تسريح العمال وتقليل حجم العمالة أو تخفيض الأجور، بل يمتد إلى فقد القطاعين الحكومي والخاص القدرة على  استقطاب المزيد من القوى العاملة ، وبالتالي ستواجه الأسواق  تكدّس أعداد كبيرة ممن  فقدوا أعمالهم بسب الجائحة، أو الداخلين الجدد لسوق العمل،خاصة  أن جميع  محاولات معالجة  مسألة البطالة والباحثين عن عمل  كانت ولا تزال تتعاطى مع سطح الأزمة بدلاً من التوغل في جذورها، والاكتفاء  بتحميل وزارات العمل مسؤولية توظيف الباحثين عن العمل بمفردها ،وهى لا تملك آليات خلق الوظائف الجديدة ولا تملك سوى آليات وتشريعات تنظيم السوق، ومن هنا تزداد المشكلة عاما بعد آخر، والأصعب في ذلك أن المشكلة تتفاقم وتزداد تعقيدا مع مرور الوقت ،نظرا لغياب الرؤية المتكاملة للمشكلة التي غابت عن الجميع عندما لم نضع في مقدمة الحلول المشروعات والاستثمارات الجديدة وحجم ونوعية  الوظائف  الذي تطرحه وهل تمثل  قيمة مضافة لسوق العمل أم لا ؟ لأن سوق العمل  يرتبط بشكل رئيسي بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ، وأصبح من الضروري تقديم  حِزَم ومبادرات، تسهم في خلق سوق عمل مستدام جاذب للعمالة الوطنية ومنظمٍ لاستقدام العمالة المهاجرة وفق الاحتياجات الفعلية لسوق العمل ، بما  يساهم في عودة استمرارية النشاط الاقتصادي وتعزيز قدرة الشركات والمؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة على الاحتفاظ بالموظفين والعمال، حتى تعبر أزمة هذا الوباء ،  بدلا من الضغط عليها بزيادة الضرائب ورسوم الخدمات وتعقيد الإجراءات ، لأن ظروف الجائحة تتطلب المرونة في  تقديم الإعفاءت الكاملة من الرسوم والضرائب لمدة معينة تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية السائدة ، أو تخفيضها مع تأجليها  لمدة خمس سنوات قادمة  تخفيفا وتيسيرا عن القطاعات الاقتصادية ، حتى تقف على قدميها ويعود الاقتصاد إلى ما كان عليه قبل كورونا .

================

  • *mohmeedosman@yahoo.com
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى